الحياة في الزمن الضائع

تتقدّم أكثر إلى العمق، تتقدّم أكثر إلى أن تحسّ بالتعب، تتوقف الذراعان عن الحركة، تنظر خلفها، لقد قطعت شوطاً بعيداً، تسمع صوت أنفاسها وهي تتردّد بقوة، الشاطئ يبدو لها على مسافةٍ ما، مخلوق لا يشاركها كل هذا السحر الذي تشعر به، وهي في تلك الأعماق. تنقلب على ظهرها، تطفو وتتمدّد، سعادة غريبة تتنامى في ذاتها، وهي هناك، تحملها تلك المياه المالحة، وتهدهدها كسرير طفولي ناعم الدّثار. هناك في تلك الوحدة المعلّقة، وأنفاسها قد انتظمت في هدوء مطمئن، كانت تحسّ أنها تغتسل من حياتها السابقة المدجّنة، تضرب بيديها وقدميها كل ما خلّفته وراء ظهرها، لتعود بعد ذلك مولودة جديدة، طريئة العود، ناعمة الملمس، منتعشة الإحساس. لا شيء بعد الآن يستطيع إيقاف تدفّقها على الحياة، لا يمكن لها ـ بعد هذا الحين ـ أن تكون هامشاً منسياً يعبر الآخرون بجواره، ولا يتوقفون.