الوجود الأنطولوجي.. دراسة مقارنة بين السهروردي وأفلوطين
$ 24.00
…خلال فترة تحضيره لرسالة الدكتوراه، دارت بينه وبيني مجالساتٌ تعدَّت أسوار الأطروحة وهندستها الأكاديميَّة الصارمة. في إحدى الجلسات التي كانت تنعقد بعفويَّة على شرفةِ منزلهِ الصيفيِّ، تساءل صاحبي عن الفَرْق بين الفلسفةِ والميتافيزيقا، وما الذي يميِّز إحداهما عن الأخرى. كان تساؤلُهُ آنذاك بسيطًا للوهلة الأولى؛ إلَّا أنَّه بسؤاله هذا أدخلنا في لجَّة ما لها من قرار. صحيح أنَّ سؤالًا كهذا كان سُئِلَ من قبل، وأجاب عنه الأقدمون والمُحدَثون من الإغريق والفرس والهنود والعرب ناهيك بأهل الحضارات المعاصرة.. إلَّا أنَّه لمَّا يزل ذلك السؤال يطرق باب الفكر من دون أن يبلغ ضالَّته المأمولة بعد…
في الجلسة إيَّاها، كان السهرورديُّ وأفلوطين حاضرَين في تأويل الأحاديث. كلٌّ منهما قدَّم لنا أجوبة عن وظيفة الحكمة بجناحيها الفلسفة والميتافيزيقا. رأى السهروردي الحقيقة متجلِّية في سلسلة الأنوار الإلهيَّة، ورآها أفلوطين في نظريَّة الفيض بحدوسها العرفانيَّة. لم يكن التحاور بيننا في محراب الفلسفة موقوفًا على حدّْ. لذا كثيرًا ما مضينا معًا نحو آفاق أكثر سِعة وأعمق غورًا.. عالَم الفلسفة والحكمة عنده هو عالَم الإصغاء الهادئ، لا عالَم الضجَّة التي ليس فيها غير ضرب الحجَّة بالحجَّة، وإبطال الرأي بالرَّأي.
قد كان لصاحبي أن عَرَضَ وأسهَبَ في ما لدى الحكيمَين من أفهام وأطاريح. ومن بعد أن طال الكلام على ما أورَدهُ من آرائهما في علم الوجود، تساءلنا معًا: ما المانع من القول إنَّ الفلسفة والميتافيزيقا توأمان لا تنفصلان.. وإنَّهما تنتسبان إلى سلالة واحدة؟ ثم قلنا: لِنَقُل إنَّ الفلسفةَ فنُّ التعرُّف إلى البَدءِ الأول، وإنَّ الميتافيزيقا هي فنُّ التأمُّل في حكمة المُبدئ الخالق، وبيان الطريق الهادي إليه.
من مقدمة د. محمود حيدر