قاموس بيروت

$ 18.00

SKU: 978-614-432-248-2
الفئة:
القياس 24-17 cm
ISBN

الكاتب

الطبعة

الغلاف

عدد الصفحات

التاريخ

تُقدم بيروت سلسلة من الأمكنة التي لا تُشبه الأمكنة، إذ هي خارجة عن أي هندسة، عن أي تحديد، إذ هي تُثير جنون الذاكرة، كما البوصلة التي أصاب عقربَها عطلٌ فأخفقت في الاتجاه. إنّها مساحات تبدو وكأنها لم تحتفظ بالذاكرة ولم تولّد ذاكرة جديدة.

لقد كانت هذه الأمكنة بمنزلة رواسب المدينة وذاكرتها. بيروت مدينة لا جدوى من مُداعبة ألمها. فهذا الأمر لا يُسكّن أي شيء، إذ إنّ الألم موجود في مكان آخر. إنها مدينة يقتضي اقتطاع ألمها وبسطه عند ساحة البرج، وهي المدينة الوحيدة التي تستثمر الاستعارات والكوابيس كافة، كابوس تحققها الفوري من خلال الطريقة التي تُسمّركم فيها في مكانكم، خارج أي حقيقة قابلة للفهم، بل فقط في إطار حقيقة هذه القبضة، على غرار الكلس الحي. كل شيء فيها هو ذلك اليقين المحروق، آه! بلا حماسة تُذكر، بل محروق على أي حال.

لقد كنتُ من المُشاة خلال بضع سنوات في بيروت. ها أنا أسمع وقع خُطاي وأنا أتجه نحو ساحة البرج، شارع ويغان، وشارع فرنسا، حيث تمر المدينة أمامنا، ويكفي أن نُشاهدها بلا أي مسافة من أجل أن نحتفظ بها.

وجدتُ نفسي أقوم بنقوش على المعدن في السجن العثماني السابق الذي كان يُطل عبر فتحتين صغيرتين على جانب كنيسة مار لويس للكبوشيين. كُنا نصل إليها عبر درج ضيق جداً، ينبغي سلوكه بمُنتهى الحذر، وخصوصاً عند حمل سُطول المياه.

لطالما هناك أسلوب للعيش في بيروت هو في آن أسلوب يحوي ضغطاً عارماً وأملاً بلا حدود، يُلقي بثقله على كل شيء، على غرار طلاء من الرصاص غير قابل للازالة، وذلك من باب الإنهاك.

كل شيء مُسيّج بشدة بما قد يُسميه مُشاهد من الخارج طقساً من عهد آخر، وثقل الزمن العثماني والأزمنة الأخرى المُدمرة.