فى لحظات أكثر رزانة، أو لربما أكثر جلاء، يعتقد أن عليه الاحتفاظ بتلك الكتابات. أنها تصلح لأن تكون المادة الخام لرواية أو قصة أو حتى لسيناريو فيلم. يتخيل عددًا من المشاهد المحتملة، مشهد يتهرب الكاتب من أسئلة ابنته، مشهد ينظر المكتبي إلى وجه الكاتب ويرتبك الأخير، مشهد العجوز المتبجج الذي قال له: لو كان كتاباً جيداً لسمعت به.

في الذكرى المئوية لمجازر 1915 التي دارت رحاها في الأناضول وأودت بحياة مئات الآلاف من الأرمن وتهجير الناجين من موطنهم التاريخي الذي عاشوا فيه أكثر من ثلاثة آلاف عام،  يقرر الصحفي سنان (الهولندي – التركي) المختص بالتحقيقات أن يصطحب الفنان المسرحي  آرا (الهولندي – الأرمني)، في رحلة بحث ميدانية إلى كل القرى والبلدات والجبال والوديان التي شهدت تلك الأحداث المأسوية التي لاتزال تلقي بظلالها القاتمة والثقيلة على العلاقات الأرمنية – التركية حتى يومنا هذا.

بالإضافة إلى هذا الدافع الإنساني المشترك الذي يهدف في النهاية إلى إعادة لم شمل هذين الشعبين اللذين عاشا معاً أكثر من سبعة قرون على الجغرافيا نفسها، ثمة دافع نبيل آخر يخص كلاً منهما على حدة؛ يريد سنان من خلال هذا البحث أن يتحقق من عدم تلطخ أيادي أجداده بدم أولئك الضحايا، إذ إنه سيرث عن جده الأكبر أراضي زراعية في قرى كانت أرمنية قبل وقوع تلك المذابح. ويسعى آرا إلى اكتشاف جذور عائلته وكيف نجا البعض منهم، والأهم من ذلك تقديم الشكر والامتنان لأحفاد هؤلاء النبلاء الأتراك الذين خاطروا بحياتهم وحياة عائلاتهم في سبيل إنقاذ الكثير من المستضعفين في أحلك لحظات التاريخ وأشدها قسوة!

إنها رحلة إلى الروح كما يحبذ الاثنان تسميتها. رحلة بعيدة عن السياسة وألاعيبها وأجنداتها!

إنه كتاب زاخر بقصص مؤلمة، مفعمة بالمحبة والتضحية، باعثة على الأمل. لكنها قبل كل شيء رحلة عن الإنسانية والمصالحة.

كل شيء يتغيّر في عالمنا، بسبب التطورات الهائلة والمتسارعة على مستوى العلوم والتكنولوجيا والاتصالات، من نمط حياتنا إلى حاجاتنا وأفكارنا، وأنّ كل ما كان يوحي بأنه راسخ وثابت من أفكار وبرامج في العصور السابقة يتزعزع ويتطور في القرن الحادي والعشرين في عصر ثورة الداتا والذكاء الاصطناعي والرابوت. وينبغي أن لا نكابر أو نتردد في الاعتراف بأنّ عصر (القناعات الإيمانية)، و(الحقيقة الواحدة) يخضع للمتغيرات، هذا لايعني أن نخلي المكان للتشكيك والضياع بل لإحلال سيادة العقل والعلم والاستفادة من التجارب والخبرات من أجل فهم حقيقي لمجتمعاتنا بالعودة إلى قراءة جذورنا الفكرية من جديد.

وأعتقد أنّ البحث عن صيغة جديدة لليسار بات أمراً ضرورياً، واليساريون هم أكثر المعنيين بنقد تجاربهم وتفحص مجمل تاريخهم وبرامجهم وأشكال تنظيماتهم وأساليب نضالهم، سيما وأن وراءهم قرن بكامله من النضال والخبرات والتجارب الناجحة والفاشلة، وذلك عبر الخروج من العقول المنغلقة والأفكار الجامدة والجاهزة، وهى مهمة لا يمكن أن يقوم بها أفراد، بل هي مهمة نضالية جماعية تتكامل عبر الخبرات المتعددة والمتنوعة للأحزاب والأفراد من خلال النقد الجريء والحوار الديمقراطي.

كتابة حدّاد تقارب أكثر مواضيعها وتستكشفها عبر استدعاء نصوص ومقولات لمفكّرين مثل إدوارد سعيد (حول المثقّف وأدواره) وحنّا أرندت (حول تعريفات السياسة) وجاك دريدا (حول المحرقة واللغة والعنف)، ثم تنقّب في حالات محلّية لتحاكيها. كأنها في ذلك كتابة متحرّكة ذهاباً وإياباً. ذهاباً إذ تستذكر ما يصلح للشرط الإنساني ولقضايا مشتركة بين البشر في اجتماعهم، وإياباً في رصد المجريات المحلّية وتتابع أحداثها وأزماتها.

[….]

ولعل استعارة مناخات فيلم “العرّاب” الشهير، أو التذكير بملابسات “مجزرة كاتين” وتزوير التاريخ، أو البحث في ما كرّسته الستالينية من طغيان استبدادٍ بحجّة الأبوّة واليقين، التي نجدها في مقالات الكتاب، تجسّد بدورها منهج إيلي حداد المشار إليه واستعانته بالتاريخ وبالصورة لشرح أحوال أو نزعات يظنّها البعض من خصائص المقيمين في الجغرافيا اللبنانية (أو العربية) حصراً.

زياد ماجد

يحمل كتاب “حلي ونقود بلاد الشام” في طياته الكثير من الدلالات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والفنية والحرفية. يُسلّط الضوء على مسيرة الإنسان عبر الحضارات المتعاقبة ويربطهما بطبيعة الحاجة بفطرته وتجاربه المتراكمة، وبكيفية توظيف ثروات الطبيعة منذ آلاف السنين حتى القرن الواحد والعشرين.

استطاع الباحث د. لطفي فؤاد لطفي أن ينقلها إلينا بحرفيته العالية.

أمال مريود

فنانة تشكيلية، أستاذة سابقاً

في الجامعة الأميركية في ييروت.

ها هو كاتب القصة القصيرة يكدّس كتبه، كتبه الرفيعة، فوق بعضها يكدّسها. عدّها وصفق بيده، أم هو لم يصفّق وإنما حرّك يديه فقط؟ رجع بكرسيه إلى وراء. بفمه صنع إشارة يــــــــــــــــاه.

كان الكاتب يتساءل عن مصدر كلمات أبطال الروايات التي يقرأها، وما العلاقة بين الكاتب والأبطال فيما يقولونه من كلمات ونصوص، ويتساءل هل الكاتب شريك الأبطال في أفعالهم أم أن لهم إرادة مستقلة بشكل تام. الكاتب كان يميل إلى فكرة الثالوث المقدس: الكاتب والراوي والبطل. كلهم يقررون حبكة
القصة.

كيف يكتب قصّة المرأة من المفخرة؟ كيف يكتب قصّة ليلى؟ هي الآن بلغت من العمر عتيًّا. هل يذهب إليها ليسألها عن سابق عهدها؟ عن أيّام شبابها التي قضتها بالنشاط الوطني؟ كيف يروي قصّتها؟ مَن سيروي قصتها؟

تبدو المسافة هائلة بين الدوائر المغلقة التي تُصنع فيها السياسات في المنطقة العربية وبين مَواطن تلقّي وتنفيذ هذه السياسات والعيش ضمن تأثيراتها. ويغيب عن المكتبة العربية وعن التحليل والنقاش العام فهم ما يحصل بين هذين العالمين المتباعدين وإدراك الجسور التي تمتد بينهما. تبقى عملية صناعة السياسات في العالم العربي في الأغلب معقدة وسياسية بامتياز لكنها أيضاً مرتبطة بمساعي الناشطية المدنية والتحركات المناصرة والعمل الحقوقي والمؤسساتي الجماعي والفردي في بعض الأحيان. بعض هذه المساعي مباغت وجارف وبعضه يمتد عبر السنوات ليؤثر ببطء وهدوء. يحاول هذا الكتاب استخلاص الرؤى حول اختلاف الأدوات والظروف التي تتمكن فيها الناشطية المدنية من اختراق حيّز صنع القرار السياساتي ورغم أنه يحاول أن يجيب على أسئلة تضخمت في النقاش العربي لكنه يحاول أن يثير المزيد من الأسئلة حول تعقيدات صنع السياسة وتمكُّن الناشطية المدنية وفعاليتها في أن تخترق دوائر القرار وتشكّله.

هذه قصص بعضها من بضعة سطور، وأطولها من بضع صفحات، بل بعضها تتكون من ‏بضع كلمات، ولكن كلّاً منها تعبر عن واقع يمسك ويؤثر فيك مباشرة، ويفتح خيالك وينشطه في ‏اتجاهات حرة أبعد من الإدراك التقليدي.‏

‏   قصص من الواقع المأسوي، سواء ما كان في تجربة الربيع العربي، أو حرب غزة الكارثية التي ‏لا تنتهي، أو قصصاً من الأساطير القديمة المتجددة، وسطوة العادات والتطبع، ومن الخيال ‏والأحلام، ومن السماويات والروحانيات.. وحتماً قصصاً من الحب والخيانة والتعاسة، و-بالطبع- ‏من الخراب المنتشر.‏

‏   قصص منفصلة  بعضها عن بعض ولكنها تترابط في تشكيل الواقع الذاتي والمجتمعي.. وقبل كل ‏شيء هي ملأى بالمتعة، وعميقة في المعنى.     ‏

ما من موتٍ معنويٍّ بلا سبب.. هي كلّ تلك المرّات التي تنكّرت «لاء» اتنا ب‍ «نعم» الخوف من الآخرين.. هي كلّ تلك النقاط التي حبلت بالتردّد واستدارت عنوةً حتى صارت فواصل، هي كلّ تلك الجمل التي كان يجب أن تكون الأخيرة الحاسمة في حواراتنا ومُطَّت ومُدَّت حتى انقطعت أنفاسُها.. هي كلّ تلك الصفحات التي اسودّت من ازدحام الأخطاء ومسحنا سوادَها بأجفاننا خوفاً من تمزيقها..

لا شيء يحدث صدفةً ولا شيء يحدث دون سابق إنذار..

نحن من نختار، بكامل إرادتنا أو مرغمين، بكامل وعينا أو مغيّبين، أن نتغاضى ونتناسى ونتحامل على أوجاعنا على أمل الشفاء.. نحن من نغطّي آذاننا بكفوفنا الباردة كي لا نسمع عصف الريح حين نشعر أن الإعصار قادم، محاولين إقناع أنفسنا بأنّ أجنحتنا أقوى من الإعصار وأنّ كفوفنا أمتن من إنذارات الريح.. نحن من نحاول اقتلاع الشوك بأصابعنا العارية حفاظاً على وردة نرى بأمّ أعيننا تعفّن بتلاتها وسقوطها.. نحن من نتمسّك بخديعةٍ تسمّى: الوقت سيغيّر كلّ شيء.. حتى ينفجر ذاك ال‍ «كلّ شيء» بنا وبالوقت وبكل شيء..